22/10/2022 - 21:48

حوار مع د. سونيا بولس | لماذا تعتبر إسرائيل "دولة كل مواطنيها" تقويضا لأساساتها؟

في الالتماس الأخير أيضا اعتبرت حيوت أن التجمع يقف على حدود الممنوع ولوحت أنه لو كان قدم اقتراح القانون مرة أخرى لأمرت بشطبه وهددت بشطبه إذا حاول تقديمه مستقبلا.

حوار مع د. سونيا بولس | لماذا تعتبر إسرائيل

(Gettyimages)

في مقابلة مع المرشحة الخامسة بقائمة التجمع الوطني الديمقراطي، عينات فايتسمان، قال الصحافي نير غونتاج، إنه شاهد جلسة المحكمة العليا التي بحثت قضية شطب التجمع وسمع القاضية استر حيوت، رئيسة المحكمة، تقول شيئا صادما، مفاده، أنه طالما هناك طلب أو اقتراح لتحويل دولة إسرائيل فإن التجمع يقف على حدود الممنوع، ولكن إذا قدم التجمع اقتراح قانون بهذه الروح، مرة أخرى، مثلما فعل في الماضي فإنها ستنظر لذلك بخطورة.

وبالرجوع إلى النص الدقيق لكلام حيوت كما ورد في تسجيل الجلسة، قالت، إن الخط الفاصل بالنسبة لها هو اقتراح القانون الإشكالي الذي تقدم به التجمع (قانون دولة المواطنين) والذي يعتبر خروجا من "القوة إلى الفعل" في خلق ظروف تحفر تحت أساسات الحد الأدنى لـ"وجودنا كدولة يهودية" وأنا نظرت إلى هذا الاقتراح بخطورة كبيرة.

وردا على هذه الادعاءات تساءل القضائي المعروف، بروفيسور مردخاي كريمنتسير، في مقال نشرته "هآرتس" فيما إذا كان يصح قراءة الاعتراض على طابع دولة إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية" كـ"نفي لوجود إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية" وهل إذا قام حزب "افلاطوني" يرفع راية تغيير الديمقراطية بطرق سلمية بـ"حكم فلاسفة"، هل كان من يفكر بشطبه.

وأشار إلى أن "نفي الوجود" يجب أن يتمثل بأقل تقدير بنفي مطلق لأساس الوجود المتميز باليهودية والديمقراطية وأن ينتج مقاومة عنيفة، وأنه في السياق الذي يجري فيه التزام كامل بالديمقراطية والطرق السلمية لا يوجد "نفي وجود".

وأضاف كريمنتسير أن المحكمة لم تجب أيضا على سؤال حول وجود احتمال فعلي بأن أهدافا أو أفعالا قائمة معينة تؤدي إلى النتائج التي ترغب بها هذه القائمة، في إشارة إلى أنه ليس كل ما يكتب في برامج الأحزاب يكون قابلا للتحقيق، وأن اعتماد "امتحان الاحتمالات" ذاك من شأنه أن يقلص صلاحية الشطب، لأن التماسات شطب أحزاب عربية بذريعة نفي وجود إسرائيل كدولة يهودية سيحكم عليها بالفشل سلفا.

ولإلقاء المزيد من الضوء حول هذا الموضوع وعبثية اتهام التجمع بمحاولة تقويض أساسات الدولة اليهودية عبر تقديم اقتراح قانون لتغيير الطابع اليهودي للدولة إلى برلمانها، أجرى "عرب 48" حوارا مع المحاضرة والباحثة في القانون، د. سونيا بولس.

"عرب 48": المثير والغريب أن رئيسة العليا تعتبر اقتراح قانون يطالب بالمساواة عن طريق تحويل الدولة إلى جميع مواطنيها، ذريعة لإدانة التجمع وتهديده بالشطب، متجاهلة الجوهر الديمقراطي الليبرالي للمطلب من جهة والطريقة التي استخدمها التجمع لتحقيق هذا المطلب والتي تعتبر الأكثر شرعية للتغيير في النظام الليبرالي الديمقراطي وهي البرلمان..

د. سونيا بولس

بولس: بالرجوع إلى المداولات الأولى التي جرت في العليا وكان محورها برنامج التجمع المتعلق بتحويل إسرائيل إلى دولة لكل مواطنيها، خلص القضاة إلى نتيجة مفادها أنه من أجل أن تستطيع شطب حزب بادعاء رفضه ليهودية الدولة يجب أن يمس برنامجه صلب يهودية الدولة كحق العودة لليهود ورموز الدولة مثل العلم والنشيد واللغة العبرية وغيرها التي تمثل من وجهة نظر المؤسسة إعادة إحياء الشعب اليهودي في أرضه التاريخية.

وفي حينه خلص رئيس المحكمة العليا السابق، إيهود باراك، أنه إذا كان شعار دولة كل مواطنيها يعنى المطالبة للمساواة للعرب هذا لا يتعارض مع جوهر يهودية الدولة كما حددته المحكمة، وأنه حتى لو طالب الحزب بعودة اللاجئين الفلسطينيين، فإنه يصرح بأنه لا يمكن تحقيق ذلك من دون مفاوضات مع إسرائيل.

وبقراءتنا لقرار العليا قد نستنتج أن القضاة لم يفهموا آنذاك برنامج التجمع، ولكن الحقيقة أنا اشك بأن القاضي باراك لم يفهم أبعاد البرنامج السياسي، لكن من المؤكد باراك أدرك كم هو محرج لدولة تدعي أنها ديمقراطية ليبرالية، أن تشطب برنامج يطالب بـ"دولة لكل المواطنين" بوصفها الترجمة السياسية للمساواة التي هي من أساسيات الديمقراطية الليبرالية فحاول أن يجد مخارج للسماح للحزب المشاركة في الانتخابات، ولكن عندما قدم التجمع اقتراح قانون دولة مواطنيها عام 2018 وعاد الموضوع لطاولة العليا بعد رفض رئاسة الكنيست إدراج القانون على جدول الأعمال، لم يعد إمكانية أمام القضاة مواصلة التهرب من مواجهة التحدي الحقيقي الذي يشكله برنامج التجمع، وهو ديمقراطي وليبرالي بامتياز، لدولة تعرف نفسها كدولة يهودية، بعد أن اصطدموا وجها لوجه مع تفاصيله التي عرضها اقتراح القانون، مثل إلغاء قانون العودة الخاص باليهود وتغيير رموز الدولة بحيث تعكس التنوع الديمغرافي لسكانها، وغيرها من الأمور التي سبق أن اعتبرتها العليا في صلب يهودية الدولة.

"عرب 48": التجمع عندما توجه للعليا بهذا الخصوص كان كالمستجير من الرمضاء بالنار..

بولس: التجمع التمس للعليا، في حينه، احتجاجا على رفض رئاسة الكنيست إدراج اقتراح القانون على جدول الأعمال، والالتماس لم يبحث بسبب حل الكنيست، يجب أن نتذكر أن هذه المحكمة لم تكن محكمة باراك التي درست بشكل "معمق" (بين قوسين) شعار دولة كل مواطنيها في أول عملية شطب للتجمع، بالتالي رد فعل القضاة في المداولات الشفوية قبل شطب الالتماس تدل على شعورهم بالدهشة من حجم المناورة التي قامت بها محكمة باراك التي لم تعد ممكنة بعد تقديم اقتراح القانون. قضاة العليا تطرقوا إلى مشروع القانون لدى بحث استئناف شطب التجمع في الانتخابات التالية وفي الانتخابات الحالية، حيث اعتبرته رئيستها وقوفا على حدود الممنوع، ربما كان سيؤدي إلى شطب التجمع لو كان يخوض الانتخابات بمفرده.

في الالتماس الأخير أيضا اعتبرت حيوت أن التجمع يقف على حدود الممنوع ولوحت أنه لو كان قدم اقتراح القانون مرة أخرى لأمرت بشطبه وهددت بشطبه إذا حاول تقديمه مستقبلا.

"عرب 48": العليا كشفت بوقوفها ضد مطلب ديمقراطي ليبرالي يسعى لتحقيق ذاته بطرق ليبرالية ديمقراطية شرعية، هي البرلمان، عن الوجه الحقيقي للدولة وهشاشة ديمقراطيتها..

بولس: الادعاء بأنه لا يوجد تناقض بين يهودية الدولة وبين ديمقراطيتها هو ليس فقط خاطئ بل هو مضلل. أحد أشكال هذا التضليل هو استعمال فكرة "الديمقراطية التي تدافع عن نفسها" والتي تهدف إلى منع أحزاب معادية للديمقراطية من الفوز بانتخابات برلمانية وتنقلب على الديمقراطية عن طريق البرلمان، مثلما حدث في "جمهورية وايمر" في ألمانيا، أو لمنع حركات يمينية عنصرية من استغلال الديمقراطية لتحقيق أغراض معادية لها، كمبرر لفكرة "يهودية تدافع عن نفسها".

التضليل هنا أنهم يتعاملون مع يهودية الدولة، التي تنتج نوعين من المواطنة، مواطنة جوهرية لليهود وعرضية للفلسطينيين، كما يجادل د. عزمي بشارة، وكأنها مواز للديمقراطية، متجاهلين أنه لا يمكن أن توازي بين الدفاع عن أسس ديمقراطية مثل فصل السلطات، حرية القضاء وحرية الإنسان وغيرها وبين الحديث عن "يهودية الدولة"، فهذا تشويه لمصطلح "ديمقراطية تدافع عن نفسها" ووضعه في سياق أصلا غير ديمقراطي.

"عرب 48": من الواضح أن المعادلة المتناقضة التي تحاول أن تجمع عبثا بين يهودية الدولة وديمقراطيتها، تغلب اليهودية على الديمقراطية..

بولس: قانون القومية حسم الموضوع بشكل سافر وقال إن "يهودية الدولة" هي الأساس، وأسقط ما كان يروج له من أن هناك شق ديمقراطي وشق يهودي يجب الموازنة بينهما، وقد كشف التعامل مع التجمع وبرنامجه الديمقراطي ذلك بوضوح، حيث تجري محاولة منع حزب يطالب بشيء أساسي في الديمقراطية يتمثل بأن تتماهى الدولة مع جميع مواطنيها بنفس الدرجة.

"عرب 48": اللافت في قرار رئيسة العليا أو تهديدها هو عدم إقامتها أي وزن للطريقة التي يسعى التجمع إلى تغيير طابع الدولة بواسطتها، وهي الأكثر سلمية و"ديمقراطية" من خلالها والمتمثلة بالعمل من خلال برلمان الدولة، فإذا أخذنا أبناء البلد التي كانت تنادي بتحرير فلسطين، كمثال، فإنها كانت تحاسب بشكل فردي أو جماعي على الطريقة أو الأسلوب وطالما أنها التزمت أسلوب العمل السياسي ولم تلجأ إلى العمل العنيف فإنها تبقى في نطاق الشرعية القانونية..

بولس: لا تنسى أنه بعد صدور "وثيقة حيفا" وغيرها من الوثائق الجماعية، خرج علينا رئيس "الشاباك"، في حينه، يوفال ديسكين بتهديد، يبدو أنه تحول إلى سياسة، بأن إسرائيل ستتعامل مع كل الفعاليات التي تسعى لتغيير طابع الدولة، حتى لو تمت بوسائل سياسية تتيحها الديمقراطية كـ"نشاط تآمري"، ما يعني أن حرية العمل السياسي تتوقف عند العرب.

"عرب 48": غريب أن حيوت استخدمت مصطلحات مثل "تآمر" و"تقويض أساسات الدولة" وغيرها، بما يوحي أن التجمع تنظيم سري يقوم بعملية مسلحة وذلك في وصف حزب ممثل بالكنيست يقوم بتقديم اقتراح قانون لرئاستها، وهي تلوح بشطبه إذا ما تجرأ على تكرار هذه "الفعلة" مرة أخرى!

بولس: هي تدعي أن اقتراح القانون بمثابة تهديد حقيقي لأساسات الدولة اليهودية، وهي تكشف بذلك أنها تمثل دولة لا تلتزم بالديمقراطية الليبرالية، لأنه فقط في دولة معادية للديمقراطية بمفهومها الليبرالي الذي يضع حقوق الفرد في المركز يعتبر "خطاب ديمقراطي" على غرار "دولة كل مواطنيها" تهديدا.

عندما سنت إسرائيل قانون القومية الذي قصر حق تقرير المصير على اليهود فقط، هي أقامت مبنى دستوريا شاملا يحول الفرد الفلسطيني إلى مقيم في وطنه وليس مواطنا يمتلك الحق الأساسي الذي يمتلكه كل مواطن ألا وهو حق تقرير المصير في وطنه. حق تقرير المصير له شقين، الأول أن الناس الذين يحملون هذا الحق في تقرير المصير في دولة سيادية هم من يجتمعوا مع بعضهم البعض ويقرروا ما هو النظام السياسي والنظام الاقتصادي للدولة وكيف تتطور، هذه صيرورة لأصحاب حق تقرير المصير فقط. بالتالي ليس من حق الفلسطينيين المشاركة بالحياة السياسية بشكل يسمح لهم تقرير هذه الأمور.

الشق الثاني، إن كل موارد البلد من أراض وموارد وثروات طبيعية وغيرها هي ملك لليهود، لأنهم وحدهم أصحاب حق تقرير المصير، بمعنى إذا كنت أنت مقيما ولست مواطنا في كندا مثلا، تكفل لك الدولة الحق في المساواة في العديد من المجالات وغيرها من الحقوق ولكن عندما تقوم الدولة باستخدام موارد البلد لتطويره هي تركز بالأساس على مصلحة ورفاهية مواطنيها لأنهم هم من يملكون حقا جماعيا على موارد الدولة، والذي لا يشمل من يقيم في البلد لكنه ليس مواطنا.

"عرب 48": في هذا السياق لفتت نظري تعريف عبر عن واقع العرب، مفاده، "أن للعرب الحق في البلاد ولكن لا يوجد لهم حق على البلاد"..

بولس صحيح، حق تقرير المصير معناه أنه عندما تقوم الدولة بتخطيط لاستخدام مواردها فهي تخطط لاستخدامها لصالح سكانها الذين هم المجموع الذي يمارس حق تقرير المصير، وليس للمستجمين فيها أو المقيمين فيها، استثناء الفلسطينيين من حق تقرير المصير يحولهم إلى مجرد مقيم في البلد.

في قانون القومية قالت إسرائيل لنا بشكل واضح إنها عندما تستخدم موارد الدولة هي تستخدمها لمصلحة اليهود فقط، وأنه في أحسن الحالات قد تتمتع أنت كفلسطيني بإمكانية الوصول لهذه الموارد بناء على شروط وتقييدات تحددها الدولة ولكنها من الأساس لا تستخدم لمصلحتك.

"عرب 48": أعتقد أن بند الاستيطان قد زاد في توضيح هذا الأمر..

بولس: صحيح، وبالنسبة لتقرير شكل النظام السياسي والاقتصادي، هي تقول لك إنك لا تمتلك حقا بأن تقرر، هذه هي المنظومة الموجودة إذا أعجبتك أهلا وسهلا وإذا لم تعجبك لا تدخل اللعبة (المقصود انتخابات الكنيست) فأنت لا تمتلك حق تغيير المنظومة لأنك ليس جزءا من المجموعة التي تمتلك حق تقرير المصير. هذا لا يعني طبعا أن العمل السياسي الديمقراطي لدى الفلسطينيين غير قادر على تحدي وزعزعة هذه المنظومة.

"عرب 48": وكيف يستوي ذلك مع القانون والمواثيق الدولية؟

بولس: أصلا القانون الدولي يقول إن الدول التي يعيش فيها أكثر من مجموعة قومية يمكن لكل منها أن تعرف على أنها شعب، عليها أن تعترف بحق تقرير المصير لكل هذه المجموعات.

فلا نجد أية دولة ديمقراطية في العالم تقول إن هناك مجموعة من المواطنين لا يتمتعون بحق تقرير المصير، في إسبانيا، على سبيل المثال، القوى السياسية اليمينية المتطرفة التي تعارض حق تقرير المصير للكاتالونيين والباسك وتعارض المركبات شبه الفدرالية للدولة، هي لا تدعي أن سكان هذه الأقاليم هم مواطنون معدومو حق تقرير المصير، بل تدعي أنتم مثل سائر الإسبان وعليكم أن تمارسوا حق تقرير المصير معنا، هذا علما بأن الدستور الإسباني يعترف بحق تقرير المصير للمجموعات القومية ويمنحهم برلمانا منفصلا وحكومة منفصلة وشرطة مستقلة، لكن النقاش في أن يكونوا مستقلين نهائيا وينفصلوا عن إسبانيا أم لا.

ما أردت قوله إن العالم لم يصادف حالة تقول فيها دولة تعرف نفسها بأنها "ديمقراطية ليبرالية" أنها لا تعترف بحق تقرير المصير لجزء من مواطنيها، سوى إسرائيل. هي لا تعترف بحقك في تقرير المصير ضمن مجموعتك، وهي أصلا لا تعترف بوجودك كمجوعة أصلانية، وفي الوقت ذاته لا تعطيك ممارسة هذا الحق مع سائر سكانها.


د. سونيا بولس: محاضرة كبيرة وأستاذة القانون الدولي لحقوق الإنسان في كلية الحقوق والعلاقات الدولية، جامعة نبريخا في مدريد.

التعليقات